بقلم / أحمد سيف حاشد
• من كان يتخيل أنه سيأتي يوم نشاهد فيه عدن بلا ميناء..!! وأن مرسى صيانه السفن يتم بيعه بسعر الكيلو للحديد الخردة.. من كان يتخيل أن يرى "مملاح عدن" يتعرض للسطو..!! ويرى عصابات ومافيات الأراضي تتعدي وتستولي على الأرضي العامة والخاصة، بل وأيضا على المنتجعات والشوارع والمعالم السياحية والتاريخية..؟!!
• من كان يتصور إن المتحف الحربي، وما يشمله من تاريخ عسكري مجيد، وما يحتوي أقسامه وجنباته من قطع أثرية وتاريخية عسكرية، يزيد عددها على الخمسة آلاف قطعة من تاريخ حافل، بات اليوم فارغا ومنهوبا، وزائد على هذا صار دكاكين وخوازيق وجحور ومسالخ دجاج، وأشياء أخرى..!!
• من كان يتخيل أن المتحف الوطني يُنهب، وتاج الملكة يباع في حراج عدن.. وبعض من الآثار التي كان يحفظها ويكتنزها هذا المتحف المنكوب، تباع في مزادات لندن وباريس و وشنطن..
• من كان يتخيل حتى في كوابيس النوم أن نشاهد في القنوات الفضائية خبر عاجل: "اشتباكات مسلحة بين أبناء "السيلة" و"المحاريق" في الشيخ عثمان بعدن"..
من كان يفكر بأن الانفلات الأمني في عدن يبلغ هذا الحد، ويصل إلى أشدّه لمدى سنوات طوال، وأن القتل اليومي لا يجد له من يزجره أو يردعه، ولم نر مجرما أو قاتلا واحدا يُقاد إلى عدالة أو قضاء..
• من كان يتخيل إن الأمّية التي تم القضاء عليها قضاء مبرما في ثمانينات القرن المنصرم، تعود في عهدنا المتأخر، بهذا القدر من التوحش والتجهم والغلظة في جيل حديث السن، على مشارف العقد الثالث من الألفية الثالثة..
• من كان يخطر على باله يوماً إن المرأة في عدن والتي نالت حقوقها كاملة قبل عقود، وتم مساواتها بالرجل وعلى نحو قل نظيره في بلاد العرب من الخليج إلى المحيط، أن تأتي مرحلة سوداء كثيفة الظلم والظلام تبتلعها هي وحقوقها على نحو يحز في النفس، ويدعو للحزن العميق..
• من كان يتوقع ان المرأة في عدن، والتي تجاوزت واقعها بخمسين عام أو أكثر نحو المستقبل الذي ترومه، أن تداهمها هذه الردة الحضارية الملتحية والمتخلفة، وتعيدها جريا وهرولة إلى ما قبل أكثر من ألف عام..
• اليوم عدن باتت مثقلة بالكراهية والعنصرية والمناطقية والقروية، وكل العصبيات المنتنة.. عدن باتت اليوم تعتبي بكل ما هو بشع وفج وقبيح يدمر ما بقي من وعي وعلاقات ومجتمع وثقافة وتعليم واقتصاد ومؤسسات.. وصارت الممكنات المُعطلة تعمل بنجاح وكفاءة لا تضاهى، ويجري هدم وتدمير كلما له علاقة بالدولة وأجهزتها، أو بالأحرى ما بقي منها أو ما بقي من ملامحها المتلاشية..
• استباح التوحش تعايشها وجمالها وطيبة أهلها.. وحولوها إلى "فود" وغنيمة.. وظل القادمين من خارج العصر ينهشونها ويمزقونها كالضباع.. قتل يومي، وخراب متسع، وشعب يعاني من جميع أطراف الحرب التي ارتكبت الكوارث والخطايا بحق وطن، وشعب لطالما أنهكوه ودمروه حتى صار لا يقوى حتى على الاحتجاج أو المناشدة..
• عدن التي كانت تفيض بالتسامح والمحبة والتعايش لم تعد كذلك.. عدن اليوم مشوهة ومشلولة ومحتلة ونازفة.. عدن مثقلة بالمعاناة والحروب.. عدن اليوم ومثلها غيرها من مدن ومناطق اليمن باتت أشلاء ممزقة وبلا أمن ولا نزاهة ولا قانون ولا نظام ولا استقرار.. عدن منهكة لم تعد تقوى حتى على الأنين..
• عدن لم تعد كما كانت ولا ندري متى ستعود.. وهذا لا يعني أن صنعاء أفضل حالا منها..!!
تم ايقاف التعليقات post