تخرجت من كلية الطب بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف.. استدعاها عميد الكلية إلى مكتبه، دخلت في زهو وفرح.. تبادلا التحية، وجلست على الكرسي المقابل.. قام العميد العجوز من كرسيه حاملاً خطاباً وجلس إلى جوارها، ثم سلمها الخطاب، ففتحته بشغف، يغلب عليها الذهول، فإذا هو [بسم الله الرحمن الرحيم.. تتشرف كلية الطب.. باستقبال الطالبة المتخرجة /.... والتي حصلت على المرتبة الأولى بتقدير عام ممتاز..ونظراً لكفاءتها العلمية، وحاجة الكلية لها، فقد تم اعتمادها معيدة بالكلية، وبعد عام سيتم ابتعاثها إلى الخارج للدراسات العليا.. عمادة الكلية..] ابتسمت في وجه العميد معتذرة، وأنها قادمة على فتح عيادة خاصة بها.. قبل العميد رفضها على مضض.. ما إن وصلت إلى البيت إلا وسيارة فارهة قد وضعت بجوار منزلهم.. دخلت البيت، فحضنتها أمها بحرارة، وابتسامة مرسومة على وجهها، ثم قالت : عندنا ضيوف يا بُنيتي، قالت البنت من هم يا أمي؟! فقالت الأم : رجل الأعمال فلااان.. استغربت البنت! ثم همست الأم في أذنها : إنه جاء ليخطبك لابنه.. ضحكت البنت في سخرية وقالت : أنا قادمة على مشروعي الخاص.. لا.. لا.. مرت الأيام والسنون، وقد ذاع صيت الدكتورة الماهرة.. فقد أصبحت حديث مدينتها في معالجة النساء، وفك ألغاز الأمراض التي عجز عنها كبار أطباء بلدها.. كان الخُطاب يتقاطرون _بين الحين والآخر _على أبيها لنيل شرف الزواج من طبيبة المدينة البارعة الجميلة .. لكنها كانت تقابلهم بالرفض.. استطاعت في فترة وجيزة أن تجمع ثروة مالية ضخمة.. لكن الأيام تسرق شبابها، والعمل المجهد يمتص رحيق أنوثتها، وهي لا تعلم.. اشترت لها بيتاً خاصاً، وسيارة حديثة.. أغدقت على أبيها، وإخوانها بالأموال.. نسي أبوها وأمها أيام العوز والفقر.. كان أبوها يشفق عليها من العزوبية، وإجهاد العمل.. كانت أمها تترجاها القبول بالزواج.. بكت الأم العجوز قائلة : إلى متى يا بُنيتي ستظلين هكذا.. عمرك تجاوز الأربعين عاماً.. وعندك بيتاً، وأرصدة مالية في البنك، وحققتي مالم يحققه الرجال.. فماذا تريدين بعد هذا؟! لم تستجب البنت الطبيبة لنصائح أمها، ولم تؤثر فيها تلك الدموع التي ذرفتها.. استمرت في عملها من بيتها إلى عيادتها، كانت كل يوم تزداد شهرة، ومهارة في عملها.. وبعد أن تجاوزت الخمسين عاماً، وبينما هي على شرفة بيتها رأت أماً، مع أطفالها الثلاثة يمشون ببطء.. والزوج يحمل طفلها الرابع.. لا سيارة، ولا أموال.. فقط ضحك العائلة يتعالى، والسعادة تمتزج بين الزوجين.. عادت إلى غرفتها.. اقتربت إلى المرآة.. رأت جمالها قد ذبل، و تجاعيد وجهها بدت ظاهرة .. نظرت يمنةً لعل من يناديها :ماما.. ماما..، ثم نظرت يسرةً لعل رجلاً يناديها جهزتي الفطور يا مدام.. تذكرت نصائح المرحوم أبوها.. وعادت بها الذاكرة إلى أنهار دموع أمها.. سقطت على الأرض مغشياً عليها، وبعد ساعة فاقت، لا ولد يحضنها، ولا زوج يرعاها.. ثم قالت : خدعونا بتأمين المستقبل.. خذوا شهادتي، وأموالي، واعطوني زوجاً، و طفلاً.. شكرا،، فؤاد الظبياني تربوي صنعاء 25-3-2021
تم ايقاف التعليقات post